الجمعة، 29 ديسمبر 2006

قراءة في اقتراحات مبارك لتعديل الدستور



يوم الثلاثاء الماضي الموافق السادس والعشرين من ديسمبر 2006 ,عرض الرئيس لمصري محمد حسني مبارك رسميا على مجلسي الشعب والشورى، اقتراحاته بإدخال تعديلات على الدستور المصري0
ودعى الرئيس المصري اللجنة العامة لمجلسي الشعب والشورى المصريين، إلى بحث تعديل أربع وثلاثين مادة من مواد الدستور المصري0

أربع وثلاثون مادة ,رغم ما يحملة هذا الرقم من ضخامة نسبية , ورغم ما يوحي به من تفاؤل برغبة النظام في التغيير , إلا أن هذه المواد حملت ما يعصف بالتفاؤل والأحلام التي تمسك بها أكثر المتشائمين السياسيين0
وفي قرائتك للتعديلات الدستورية التي طالب بها الرئيس تجدها تسعى إلى ترسيخ سيطرة النظام المصري المشخصن في شخص الرئيس محمد حسني مبارك0
فتعديل المادة 76 من الدستور يسمح للأحزاب السياسية فقط بالترشيح للانتخابات الرئاسية، دون الإشارة إلى المستقلين, وبالنظر إلى الواقع الراهن للأحزاب السياسية المصرية فان التعديل يعني انحصار حق الترشيح في طبقة غير فاعلة ضعيفة الشعبية , في مقابل الحزب الوطني اكبر الأحزاب من حيث عدد الأعضاء , بل إن عدد أعضائه أكبر كثيراً من مجموع أعضاء الأحزاب الأخرى , أضف إلى هذا ما تعانية الأحزاب الثلاث الكبرى من مشاكل داخيلة ففي الوفد يتصارع جمعة واباظة وغيرهم على رئاسة الحزب , والناصري مهدد بذلك مع اعادة انتخاب داوود لرئاسة الحزب بالتزكية ,وفي التجمع تلوح نذر شقاق دامي في أفقة , لخلافات فكرية وأخرى تنظيمية0
أضف إلى ذلك أن عدم السماح للمستقلين بالترشيح يعني منع ملايين المصريين من ممارسة حقهم الدستوري دون مبرر مقنع وبذريعة المحافظة على العملية الانتخابية من عبث راغبي الشهرة , وبالطبع في هذا تلميح واستفاده لما خطط له وجناه النظام من الانتخابات الرئاسية الماضية 0
تعديلات مبارك لم تتضمن تعديل المادة 77 التي تتيح بقاء الرئيس في المنصب مدى الحياة, وهذا مؤشر أول ما يكون على أن السيناريو الذي دأب الرئيس ونجله على نفيه يخطو حثيثا نحو التنفيذ 0
التعديلات المقترحة تضمنت كذلك أن يحل رئيس الوزراء محل رئيس الدولة في إدارة البلاد حال قيام مانع يعوق الرئيس عن أداء واجباته لكن دون أن يباشر من يحل محل الرئيس السلطات بالغة الأثر في الحياة السياسية كإقالة الحكومة وحل مجلس الشعب وطلب تعديل الدستور, كما تتضمن التعديلات استشارة الرئيس لرئيس الوزراء في المادة 74 و108 و144 و145 و146 و147و148 و151 الفقرة الثانية، على أن يكون اختصاص مجلس الوزراء في بعضها, وهو ما يعني التأكيد من جديد أن الرئيس هو المتحكم في الحياة السياسية وأن رئيس الوزراء ما هو الا سكرتير شخصي للرئيس مبارك , وهو ما يعني تأمين الرئيس لنفسه من انقلاب محتمل لرئيس وزرائه عليه بصرف النظر عن رئيس الوزراء أو حتى الرئيس0
وعلى الرغم من هذا تجد التعديلات تلتف على هذه الحقيقة وتناقض نفسها عندما تمنح البرلمان دورًا أكبر في سحب الثقة من الحكومة دون الحاجة للجوء إلى الاستفتاء،في الوقت الذي منحت فيه رئيس الجمهورية الحق في حل مجلسي الشعب والشورى دون الحاجة إلى إجراء استفتاء شعبي حول ذلك , وهو ما يعني احكام سيطرة الرئيس على الحياة السياسية, بالانفراد بالتحكم بصورة مباشرة في عزل واختيار الحكومة , وحل البرلمان دون الرجوع إلى الشعب , أي أن الرئيس وهو رأس السلطة التنفيذية تحول إلى حكم بين البرلمان والحكومة , وإلى ملك لا ينبغي المساس به بذاته الملكية 0
الأخطر والأكثر اقلاقا في تعديلات مبارك هو طلب الرئيس إلغاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ومطالبته بتشكيل مجلس يضم رؤساء الهيئات القضائية ويرأسه رئيس الدولة , وهو كما أراه مسعى من المؤسسة الرئاسية لتقليم أظافر القضاة الذين ظهروا كبديل ديمقراطي مقبول لدى الشعب , للحزب الوطني من جهة والبديل الشعبوي الذي يختار الإخوان من جهة أخرى0
والحق يُقال فان تعديلات الرئيس مبارك تحوي كذلك ايجابيات عديدة ,فقد تضمنت تعديلات المادة 88 إدخال تعديل يسمح بمواجهة التزايد المطرد في أعداد الناخبين وما يفرضه من زيادة مماثلة في إعداد لجان الاقتراع والفرز وتوفير أسلوب الإشراف على الانتخابات الذي يحقق كفاءة ونزاهة العملية الانتخابية, وان كان البعض يذهب إلى اعتبار هذا التعبير الغير محدد لآلية , قد يكون مسعا إلى انهاء الاشراف القضائي على الانتخابات0
ايجابية اخرى قد تتحول إلى سلبية على يد ترزية الدساتير , هي اقتراح الرئيس وضع عنوان بديل للفصل السادس بالدستور يسمح بفرض الأحكام الكفيلة لحماية المجتمع من الإرهاب، على أن يكفل القانون تحديد رقابة قضائية على الإجراءات0
ومن ايجابيات التعديلات كذلك نصها على زيادة المدة التي تتاح للبرلمان لكي ينتهي من نظر الموازنة قبل نهاية السنة المالية, ومنحها مجلس الشورى اختصاصًا بإبداء الرأي الملزم في المسائل التي تقع في اختصاصه واستشاريًا في الموضوعات الأخرى, ونصها على تطوير نظام الإدارة المحلية وتعزيز صلاحياتها, وهو ما يعني التوجه نحو اللامركزية الادارية التي ستسمح إلى حد ما باحداث تغيير في البيئة السياسية المصرية كذلك , بتقليص تحكم الادارة العليا للحكومة والوزارت في المحافظات0
ويبدو أن الايجابية الأكثر بروزاً هي إقتراح إلغاء جهاز المدعي العام الاشتراكي0
نهايةً , قد يكون جلياً أن سلبيات التعديلات التي عرضها مبارك أكثر بكثير من ايجابياتها , إلا أن الأكثر وضوحا أن طريقة تعاطي المعارضة والشارع المصري مع هذه التعديلات سيغير جزء إن لم يكن كل هذه التعديلات0

ليست هناك تعليقات: