الثلاثاء، 26 يونيو 2007

ورحلت رائدة الشعر الحر ...... ماتت نازك الملائكة


فقدت الحياة الأدبية العربية يوم الأربعاء 20 حزيران (يونيو) 2007 الشاعرة العراقية الرائدة نازك صادق الملائكة التي وافتها المنية عن عمر يناهز 84 عاما، إثر هبوط حاد في الدورة الدموية، بمستشفى السنابل في منطقة سراي القبة وسط العاصمة المصرية القاهرة، القاهرة التي انتقلت إليها بعد الحرب الأمريكية على العراق مع ابنها البراق0
نازك التي عانت من أمراض الشيخوخة في الأيام الأخيرة و تدهورت صحتها يوم الأربعاء فجأة ,ثم فارقت الحياة وشيعت جنازتها ظهر الخميس,ودفنت بمقبرة للعائلة غربي القاهرة, لم نلتق بها , ولم نتحاور معها , إلا أننا استخدمنا معينها الأدبي والفكري لإجراء هذا الحوار الافتراضي معها0
**الشاعرة نازك صادق الملائكة حدثينا عن نشأتك وتأثيرها على حياتك الأدبية ؟
ولدت في بغداد يوم 23 أغسطس عام 1923 في أسرة تحتفي بالثقافة والشعر فكانت أمي الشاعرة [سلمى عبد الرزاق] تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية باسم أدبي هو (أم نزار الملائكة) , أما أبي صادق الملائكة كان يعمل أستاذاً وترك مؤلفات أهمها موسوعة (دائرة معارف الناس) في عشرين مجلدا , فتربَّيت على الدعة وهُيئت لي أسباب الثقافة,وما أن أكملت دراستي الثانوية حتى انتقلت إلى دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944 بدرجة امتياز , كما درست الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة ، ثم درست اللغات اللاتينية والانجليزية والفرنسية وتوجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستزادة من معين اللغة الانكليزية وآدابها عام 1950, حيث حصلت بعد عامين على شهادة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكنسن ,وعملت أستاذة مساعدة في كلية التربية ببغداد ثم بجامعة البصرة ثم بجامعة الكويت0
**الملائكة لقب العائلة , فترى لماذا أطلق عليها؟
الملائكة لقب أطلقه على عائلتي بعض الجيران بسبب ما كان يسود البيت من هدوء ثم انتشر اللقب وشاع وحملته الأجيال التالية0
**معروف أنك بدأت كتابة الشعر وأنت في العاشرة من عمرك , فمتى نُشر أول ديوان لك ؟
نشر ديواني الأول " عاشقة الليل " في عام 1947 ، وكانت تسود قصائده مسحة من الحزن العميق , حتى قال عنه الناقد مارون عبود إنه كيفما اتجه القارئ في ديوان عاشقة الليل لا يقع إلا على مأتم ، ولا يسمع إلا أنيناً وبكاءً ، وأحياناً تفجعاً وعويلاً 0
**قصيدة الكوليرا , وضعتك في مقدمة أبرز رواد الشعر العربي الحديث الذين تمردوا على الشعر العمودي التقليدي وجددوا في شكل القصيدة حين كتبوا شعر التفعيلة متخلين عن القافية لأول مرة في تاريخ الشعر العربي0
صحيح , فقد نُشرت هذه القصيدة بعد صدور ديواني الأول (عاشقة الليل) بأشهر قليلة ببغداد , فسجلت اسمي في مقدمة مجددي الشعر مع الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب (1926- 1964) الذي نشر في العام نفسه قصيدته (هل كان حبا؟) واعتبر النقاد هاتين القصيدتين بداية ما عرف فيما بعد بالشعر الحر0
**كيف واتتك فكرة تحرير القصيدة العربية , من قيد قالب الشطرين المعتاد ؟
بعد صدور ديوان عاشقة الليل بأشهر قليلة عام 1947 ,انتشر وباء الكوليرا في مصر الشقيقة ، وبدأنا نسمع الإذاعة تذكر أعداد الموتى يومياً، وحين بلغ العدد ثلاثمائة في اليوم انفعلت انفعالاً شعرياً، وجلست أنظم قصيدة استعملت لها شكل الشطرين المعتاد، مغيرة القافية بعد كل أربعة أبيات أو نحو ذلك، وبعد أن انتهيت من القصيدة، قرأتها فأحسست أنها لم تعبر عما في نفسي، وأن عواطفي ما زالت متأججة، وأهملت القصيدة وقررت أن أعتبرها من شعري الخائب الفاشل وبعد أيام قليلة ارتفع عدد الموتى بالكوليرا إلي ستمائة في اليوم ، فجلست ونظمت قصيدة شطرين ثانية أعبر فيها عن إحساسي، واخترت لها وزناً غير القصيدة الأولى، وغيرت أسلوب تقفيتها ظانة أنها ستروي ظمأ التعبير عن حزني، ولكني حين انتهيت منها شعرت أنها لم ترسم صورة إحساسي المتأجج، وقررت أن القصيدة قد خابت كالأولى، وأحسست أنني أحتاج إلى أسلوب آخر أعبر به عن إحساسي، وجلست حزينة حائرة لا أدري كيف أستطيع التعبير عن مأساة الكوليرا التي تلتهم المئات من الناس كل يوم .
وفي يوم الجمعة 27/10/1947 أفقت من النوم، وتكاسلت في الفراش أستمع إلي المذيع وهو يذكر أن عدد الموتى بلغ ألفاً فاستولى علي حزن بالغ، وانفعال شديد ، فقفزت من الفراش، وحملت دفتراً، وغادرت منزلنا الذي يموج بالحركة والضجيج يوم الجمعة، وكان إلى جوارنا بيت شاهق يبنى، وقد وصل البناؤون إلى سطح طابقه الثاني، وكان خالياً لأنه يوم عطلة العمل، فجلست على سياج واطئ، وبدأت أنظم قصيدتي المعروفة الآن (الكوليرا) وكنت قد سمعت في الإذاعة أن جثث الموتى كانت تحمل في الريف المصري مكدسة في عربات تجرها الخيل ، فرحت أكتب وأنا أتحسس أصوات أقدام الخيل:
سكن الليل
أصغ، إلى وقع صدى الأنات
في عمق الظلمة، تحت الصمت، على الأموات
ولاحظت في سعادة بالغة أنني أعبر عن إحساسي أروع تعبير بهذه الأشطر غير المتساوية الطول ، بعد أن ثبت لي عجز الشطرين عن التعبير عن مأساة الكوليرا، ووجدتني أروي ظمأ النطق في كياني، وأنا أهتف:
الموت، الموت، الموت
تشكو البشرية تشكو ما يرتكب الموت
وفي نحو ساعة واحدة انتهيت من القصيدة بشكلها الأخير , وركضت بها إلى أمي فتلقفتها ببرودة، وقالت لي: ما هذا الوزن الغريب؟ إن الأشطر غير متساوية، وموسيقاها ضعيفة يا ابنتي ، ثم قرأها أبي ،وقامت الثورة الجامحة في البيت، فقد استنكر أبي القصيدة وسخر منها واستهزأ بها على مختلف الأشكال، وتنبأ لها بالفشل الكامل، ثم صاح بي ساخراً: وما هذا الموت الموت الموت,. وراح أخوتي يضحكون وصحت أنا بأبي:
قل ما تشاء، إني واثقة أن قصيدتي هذه ستغير خريطة الشعر العربي .
**وبالفعل غيرت هذه القصيدة خريطة الشعر العربي ؟
نعم فقد كانت أول قصيدة حرة الوزن تنشر ,وكنت قد نظمت تلك القصيدة 1947 أصور بها مشاعري نحو مصر الشقيقة خلال وباء الكوليرا الذي دهمها وقد حاولت فيها التعبير عن وقع أرجل الخيل التي تجر عربات الموتى من ضحايا الوباء في ريف مصر, وقد ساقتني ضرورة التعبير إلى اكتشاف الشعر الحر.
**كانت هذه القصيدة بمثابة انطلاقة لرائدة الشعر العربي الحديث , فتوالت أعمالك الأدبية بعدها ..
نعم فقد توالت دواوين التالية,ومنها (شظايا ورماد) عام 1949 و(قرارة الموجة) عام 1957 و(شجرة القمر) عام 1968 و (يغير ألوانه البحر) عام 1970, كما صدر لي عام 1997 بالقاهرة مجموعة قصصية عنوانها (الشمس التي وراء القمة).
ومن بين دراساتي الأدبية (قضايا الشعر الحديث) عام 1962 و(سيكولوجية الشعر) عام 1992 فضلا عن دراسة في علم الاجتماع عنوانها (التجزيئية في المجتمع العربي) عام 1974 0
**بالرغم من غياب نازك الملائكة عن المنتديات الثقافية في السنوات الأخيرة فإنها ظلت في دائرة الضوء وحصلت على العديد من الجوائز ...
هذا صحيح, فبالرغم من أنني عشت سنواتي الأخيرة بعيدة عن الأضواء لدرجة أن أكثر من شائعة انتشرت عن وفاتي، حيث أنني بعد أن استقلت من جامعة الكويت عام 1982 وعُدت لبغداد ظللت بعيدة عن الإعلام, وانتقلت إلى القاهرة بعد عام 1994 , إلا أنني حصلت على جائزة البابطين عام 1996 وجاء في قرار منحي الجائزة أنني[شقت منذ الأربعينيات للشعر العربي مسارات جديدة مبتكرة وفتحت للأجيال من بعدها بابا واسعا للإبداع دفع بأجيال الشعراء إلى كتابة ديوان من الشعر جديد يضاف إلى ديوان العرب... نازك استحقت الجائزة للريادة في الكتابة والتنظير والشجاعة في فتح مغاليق النص الشعري]0
كما أقامت دار الأوبرا المصرية يوم 26 أيار(مايو) 1999 احتفالا لتكريمي بمناسبة مرور "نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي" وشارك في الاحتفال الذي لم أشهده لمرضي .شعراء ونقاد مصريون وعرب بارزون إضافة إلى زوجي الراحل الدكتور عبد الهادي محبوبة الذي أنجبت منه ابني الوحيد البراق0
وفي يوم الأربعاء 20 حزيران (يونيو) 2007 ,ماتت نازك الملائكة في قاهرة المعز، وبغدادها / عراقها يعيش وباء الموت تماما كما كتبت قبل ستين عاما عن وباء الكوليرا في مصر ...
استيقظ داء الكوليرا...
حقدا يتدفق موتورا الجامع مات مؤذنه...
الميت من سيؤبنه.
موتى موتى ضاع العدد..
موتى موتى لم يبق غد 0
ملحوظة استخدم الكاتب في صياغة تأبينه على اقتباسات من كتابات نازك الملائكة في كتابها [قضايا الشعر المعاصر ]0
واستخدم تيار جديد ظهر في الصحافة الغربية يطلق عليه قالب الحوار مع ميت يعتمد في الأساس على الاستعانة بكتابات
الشخصية لصياغة الحوار المفترض 0_

ليست هناك تعليقات: